في ظل التحولات و التطورات المتسارعة التي أضحت تطبع شتى مناحي الحياة العصرية، الدراسة، العمل، التنقل، العلاج، التسوق، و الترفيه، و غيرها من نشاطات الفرد التي فرضت حتمية ابتكار أدوات و وسائط توفر ميزات المرونة، السرعة و الاستجابة الآنية لتغطية الاحتياجات، علاوة على ضرورة توافقها مع مستلزمات الأمن، السلامة، و الموثوقية، لدى الاستخدام.
و تفاعلا مع هذه التغيرات و التطلعات المتزايدة لمواطنين عاصروا زمن الانتشار الواسع النطاق لتكنولوجيات الاعلام والاتصال، و تحكموا في استعمالاتها، و اكتسبوا صفة فاعلين في البيئة الرقمية، و صاروا، من هذا المنطلق، أكثر تطلبا و تعاظمت لديهم معايير الجودة في تلقي الخدمات، تبنت الحكومة في مخطط عملها تجسيدا لالتزامات السيد رئيس الجمهورية، لاسيما الرامية منها ٳلى تجسيد التحول الرقمي، و في الفصل الثاني منه المعنون: « من أجل إنعاش و تجديد اقتصاديين »، مقاربة متكاملة لعصرنة النظام المصرفي و المالي تستند ٳلى أربعة محاور محاور:
- أولها، تطوير المنشآت الأساسية لدعم تكنولوجيات الإعلام والاتصال؛
- ثانيها، تحسين الشمول المالي، من خلال ٳشراك أوسع للشبكة البريدية في تقديم الخدمات المالية؛
- ثالثها، التعجيل بعصرنة أنظمة الدفع الالكتروني، و تخفيف اللجوء للسيولة النقدية ؛
- رابعها، تشجيع التجارة الالكترونية.
أي دور يلعبه قطاع البريد و المواصلات السلكية و اللاسلكية ؟
قطاع البريد والمواصلات السلكية و اللاسلكية، و على غرار الأطراف الأخرى المنخرطة في مقاربة ديناميكية ترقية النظام البيئي (Ecosystème) المساعد على تطوير الدفع الالكتروني و تفعيل الشمول المالي، تتجلى مساهمته، من خلال:
مواصلة الإشراف على تنفيذ برامج الٳستراتيجية الوطنية لتدعيم و عصرنة البنى التحتية للاتصالات الالكترونية، بوصفها قاعدة لتعميم استخدام تكنولوجيات الاعلام و الاتصال و تحسين الاندماج في مجتمع المعلومات.
و المكتسبات المحققة في ميدان الربط بالانترنت ذات التدفق العالي و العالي جدا، الثابت و النقال، دلائل ملموسة على الاستثمارات المعتبرة المجندة و الخطوات المشجعة التي خطتها بلادنا.
كما يتوالى استلام و وضع العديد من المكاتب البريدية، ٳِنِ القارة منها أو المتنقلة، عبر كامل ربوع الوطن، حيز الخدمة. فبتعداد يقدر بـ 4305 مكتب بريدي، يشكل القطاع البريدي قناة هامة للتدفقات و الخدمات المالية.
توفير التجهيزات، و الحلول و التطبيقات العملية لتعزيز الشمول المالي، من قبل متعاملي القطاع.
فمن جانب التجهيزات، يتواصل تدعيم الشبكة البريدية بالشبابيك الآلية ، علاوة على استمرار عمليات فتح فضاءات الخدمات الحرة عبر الشبابيك الآلية، والتي يجري استكمال تعميمها عبر مختلف الولايات.
كما و تمكنت مؤسسة بريد الجزائر، بفضل وحدة شخصنة البطاقة النقدية الذهبية التابعة لها، من رفع عدد بطاقات الدفع الالكتروني المسلمة للزبائن، بوتيرة عالية مكنت مضاعفة عددها الذي كان يبلغ (6) ملايين بطاقة سنة 2020، ٳلى ما يفوق عتبة 13 مليون. و تتولى الوحدة، فضلا عن انتاج بطاقة النقدية الذهبية، تزويد البنوك ببطاقات الدفع الالكتروني.
و فيما يخص الحلول و التطبيقات يتيح تطبيق ” بريدي موب “، عبر المنصة النقدية لبريد الجزائر، عدة خدمات مالية سريعة و مؤمنة للمواطنين، اختصارا للوقت، و تخفيفا للتنقلات و تقليلا لحجم السيولة المالية المتداولة.
و تعكف مؤسسة بريد الجزائر على نشر التجربة الفتية السباقة للدفع الالكتروني باستعمال الهاتف النقال عن طريق رمز الٳستجابة السريع (Qr Code).
تأخذ مساهمة قطاع البريد و المواصلات السلكية و اللاسلكية في مقاربة تطوير الدفع الالكتروني و دعم الشمول المالي، أيضا، طابعا تشاركيا تنسيقيا، عماده تعاضد الموارد و الطاقات مع باقي فاعلي الشمول المالي، من قطاعات وزارية و هيئات و مؤسسات عمومية، و متعاملين خواص، و رواد للمقاولاتية و أصحاب المؤسسات الناشئة.
حيث أبرمت المؤسسات المنضوية تحت وصاية و ٳشراف القطاع، عديد الٳتفاقيات الرامية ٳلى تشجيع استخدام وسائل الدفع الٳلكتروني و تقوية التفاعلات بين هؤلاء المتدخلين.
من بينها، على سبيل الاستدلال، تلك المبرمة بين مؤسسة بريد الجزائر وتجمع النقد الآلي و كذا شركة النقد الآلي و العلاقات التلقائية بين البنوك ” ساتيم”، للتشغيل البيني، المبرمة في 2020، و التي أتاحت ، بفضل التفاعل بين المنصتين النقديتين للشبكتين البريدية و البنكية، لحاملي البطاقة النقدية الذهبية و البطاقة البنكية على حد سواء، الاستفادة من الخدمات النقدية التي توفرها الموزعات الآلية (DAB) لمكاتب البريد و الوكالات البنكية، عبر التراب الوطني، بشكل متكامل و بالاستجابة إلى معايير السلامة و الفعالية المطلوبة، فضلا عن ٳمكانية استغلال نهائيات الدفع الإلكتروني (TPE) في إطار التعاملات التجارية.
و اتفاقية ثانية بين ذات الأطراف لتعميم خدمة الدفع الالكتروني عبر الٳنترنت، سنة 2021، التي مكنت من استكمال حلقة التشغيل البيني لنظام الدفع الإلكتروني للمنصتين النقديتين البريدية و البنكية، من خلال إتاحة خدمة الدفع عبر الأنترنت لكافة حاملي البطاقة النقدية (البريدية و البنكية).
و في شق التعاون المتعدد القطاعات، جسد القطاع مع نظيره للتربية الوطنية اتفاقية تتيح لأولياء التلاميذ تسديد حقوق التسجيل في الامتحانات المدرسية الوطنية عبر الأنترنت باستعمال البطاقة النقدية الذهبية، دون التنقل إلى مكاتب البريد.
و اتفاقية أخرى يمكن الاستشهاد بها تلك المبرمة مع قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، والتي تسمح للطلاب بدفع حقوق التسجيل الجامعي، عبر الإنترنت أيضًا. مبادرة انتهت بنجاح كبير، عالجت المنصة النقدية لبريد الجزائر أكثر 2.4 مليون معاملة خلال السنة الدراسية 2023-2024.
نتائج مشجعة مع هامش تطور كبير
كل هذه المجهودات ستمكن بلوغ ما يقارب 60 مليون عملية دفع إلكتروني بنهاية سنة 2023، بعد أن كان هذا العدد لا يتجاوز 05 ملايين عملية سنة 2020.
النتائج المحققة إلى غاية الآن في ميدان الشمول المالي و الدفع الإلكتروني مشجعة، غير أنها تتضمن هامش تطور كبير بالنظر لما تتيحه البنية التحتية الحالية، سواء من حيث شبكات الاتصالات أو تطور وسائل الدفع الإلكتروني.